قبل أيام كنت واقفاً مع مجموعة من زملائي في الجامعة، وإذ أحدهم بدأ يتحدث إلى شاب آخر من سوريا عن عبد الرحمن منيف، وبدأ يحاوره على أساس أن عبد الرحمن منيف كاتب سوري معروف، وينازع مستمعه كيف لا يعرف ذلك الكاتب وهو ابن بلده وهو من بين أدباء سوريا أكثرهم إبداعاً وشهرةً...
بعدما سمعت من صديقي ما يكفي ليشفي غليلي، توجهت إليه بنظرة استغراب...

- عبد الرحمن منيف سوري؟
- (يفكر قليلاً... وينتظر عدة ثواني ليجيب): إذا مش سوري أكيد لبناني ...
- (أفكر في داخلي: من الأفضل أن أختصر): مع ليش بس اتأكد من معلوماتك

عبد الرحمن منيف أردني ونفتخر بأردنيته، هل لنا أن ندعي غير ذلك وهو من مواليد عمّـان وقضى فيها طفولته ولها أهدى أروع رواياته "سيرة مدينة"، الذي تحدث فيها عن مدينته... عن المرور ببناياتها وأزقتها وشوارعها، وعن الدراسة في كتاتيبها ومدارسها وعن التعبد في جوامعها وكنائسها؟ إنه أردني إذ يتكلم عن شعبه الذي احتضنته عمان، فمنهم المسلمون والمسيحيون والنجديون والشوام والشراكسة ومن هاجر إليها من فلسطين؛ كلهم ضمتهم الأم الرؤوم إلى صدرها من قبل أن تضمه.

عبد الرحمن منيف ليس أردنياً فحسب، بل هو عربيٌ تجري في عروقه دماء الحجاز وبلاد الرافدين، فهو ابن أب نجدي وأم عراقية، ودرس في بغداد، إلى أن طرد منها لأسباب سياسية فالتحق بجامعة القاهرة، ليعمل بعد الدكتوراه في سوريا، ومن ثم في لبنان، ليرجع ثانية إلى دمشق حيث انتقل إلى جوار ربه في 24 كانون ثاني 2004.

هل يمكن لأحد أن يزعم أن أدب عبد الرحمن منيف كان أدباً أردنياً فقط، أو سورياً فقط، أو لغيرهما من الأقطار المحدودة؟ أم هو خيط من خيوط هذا النسيج الذي يجعل الثقافة العربية "عربية" وليست تابعة لدولة معينة؟

لقد فقدت الثقافة العربية واحداً من أبرز رجالاتها، أديباً قد ناضل بالوداد دفاعاً عن قضايا أمته، عن كرامة الإنسان العربي، وعن هويتنا ... عن عروبتنا... ألا يجدر بنا أن نعرف أكثر مثل هذه الرجالات؟